>

إسرائيل تشرعن الاستيطان بالقانون: أخطر خطوة تشريعية منذ 1967

الباحث مصطفى صالح

 

شهدت الضفة الغربية في الآونة الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في معادلات السيطرة الإسرائيلية، بعد أن صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على قرار يسمح للمستوطنين بشراء الأراضي الفلسطينية داخل الضفة، في خطوة يمكن توصيفها بأنها محاولة لشرعنة الاستيطان عبر الهندسة التشريعية، بما يتجاوز سياسة فرض الأمر الواقع إلى مستوى تشريع واقع استعماري دائم.

تزامن ذلك مع إصدار جيش الاحتلال أمرًا عسكريًا يقضي بالاستيلاء على 77,608 دونم من أراضي بلدة العيسوية ومحيطها في القدس، في إطار مسار متدرّج يرمي إلى إعادة صياغة الجغرافيا الديموغرافية للمدينة على نحو يخدم استراتيجية "القدس الكبرى".

إن خطورة هذا التطور نابعة من طبيعته القانونية والسياسية؛ فالأراضي في الضفة الغربية ما تزال - من الناحية القانونية - خاضعة لقانون الأراضي الأردني لعام 1953، الذي بقي ساريًا حتى بعد احتلال الضفة عام 1967، وفقًا لمبدأ استمرار القوانين الوطنية في الإقليم المحتل ما لم تُلغَ بموجب سلطة شرعية. 

لذلك، يعد تشريع الكنيست لهذا القرار إلغاءً مقنّعًا لهذا القانون، الأمر الذي ينطوي على تجاوز خطير لطبيعة الإقليم المحتل، إذ يحظر القانون الأردني بيع أو تأجير الأراضي والعقارات لغير الأردنيين والعرب، ما يعني أنه كان يشكّل حاجزًا قانونيًا صلبًا في وجه محاولات تملك اليهود للأراضي داخل الضفة.

وبذلك، فإن خطوة الإلغاء الضمني لقانون الأراضي الأردني تفتح الباب أمام تحوّل المستوطنين من وضعية "المستعمر الفعلي" إلى وضعية "المالك القانوني"، وهو تحوّل خطير يحمل دلالات سياسية بعيدة المدى، لأنه يمهّد لتوسيع المشروع الاستيطاني عبر قناة قانونية تمنح غطاءً تشريعيًا لعمليات الشراء والاقتناء التي كانت تتم سابقًا في إطار غير معلن أو من خلال وسطاء وشركات وهمية.

ومن زاوية القانون الدولي، فإن الكنيست لا يمتلك أي صلاحية تشريعية على أراضٍ مصنّفة دوليًا باعتبارها أراضي محتلة، فقرارات الأمم المتحدة - إلى جانب أحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة – تنص على أن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة منذ عام 1967، وأن أي محاولة لفرض القوانين المحلية لدولة الاحتلال على الإقليم المحتل تمثّل انتهاكًا سافرًا لمبدأ عدم شرعية ضمّ الأراضي بالقوة.

وفي هذا السياق، تطبيق التشريعات الإسرائيلية في الضفة الغربية يفتح الباب أمام صفقات عقارية مشبوهة، ومعاملات قابلة للتزوير، وتوظيف منظومات الوساطة المالية لانتزاع ملكيات الفلسطينيين تحت غطاء قانوني مفتعل، وهو ما يشكّل تهديدًا وجوديًا للملكية العقارية الفلسطينية، ويؤدي إلى تفكيك النسيج العمراني والاجتماعي عبر آليات تبدو "قانونية" من حيث الشكل لكنها غير شرعية من حيث المضمون والاختصاص.

ويمكن القول إن القرار الأخير يأتي في إطار استراتيجية إسرائيلية تستهدف:

  1. توسيع نطاق الاستيطان من خلال التحايل على الإطار القانوني الدولي.
  2. تغيير هوية القدس والضفة ديموغرافيًا عبر تكريس الملكية اليهودية للأرض.
  3. تفريغ القانون الدولي من فعاليته التطبيقية عبر فرض سيادة تشريعية الأمر الواقع.
  4. إعادة تعريف حدود الصراع من نزاع على الأرض إلى نزاع على الملكية القانونية.

وعليه، فإن السياق العام يشير إلى أننا أمام محاولة إسرائيلية لإعادة "صياغة القانون" بوصفه أداة استعمارية، تُستخدم لتمكين المستوطنين، وتوفير بنية قانونية موازية لعمليات الضمّ الفعلي التي تُنفّذ عبر الأوامر العسكرية وقرارات الحكومة.

ومن ثمّ، يمكن الجزم بأن هذا القرار يُعدّ تصعيدًا استراتيجيًا خطيرًا يشكّل حلقة جديدة في مشروع الضمّ الزاحف، ويؤسس لمرحلة أكثر تعقيدًا في مواجهة السياسات الإسرائيلية الساعية إلى تصفية الوجود الفلسطيني عبر: السيطرة الميدانية، والتملك القانوني.