ورقة تقدير موقف من منظور مسارات الاردنية : حرب الأردن على تهريب المخدرات ‏والأسلحة

ورقة تقدير موقف لـ"مسارات الأردنية" تناقش حرب الأردن على تهريب المخدرات والأسلحة 

 

ضرورة وجود دور خليجي بوصف الأزمة "مشتركة"

 

الانسحاب الروسي من الجنوب السوري فاقم الأوضاع

 

تعويل على زيادة الدعم العسكري الأميركي للأردن

 

ازدياد لافت في عدد محاولات التهريب خلال 2023

 

فشل الحلول الدبلوماسية والدبلوماسية يفرض المواجهة العسكرية

 

رغم أن خطر تهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى الأردن عبر المنطقة الحدودية البالغ طولها نحو 387 كم، وتمتد من مرتفعات الجولان غربا حتى الحدود العراقية شرقا، ليس أمرا جديدا وتفاقمت في أعقاب بدء الأزمة السورية عام 2011، إلا أن التطورات التي شهدها هذا الملف المؤرق للمملكة خلال السنوات الأخيرة، وبصورة أقرب وأدق في الفترة القليلة الماضية، تستدعي الوقوف مطولا عند مشهد يزداد تعقيدا وسخونة، ولا صوت فيه يعلو على صوت القوة.

 

وفي الحديث عن الفترة القليلة الماضية، لا يمكن القفز عن تطورات حدثت وما تزال تحدث، وفيها كثفت عصابات التهريب من محاولاتها اختراق الحدود، وفيها أيضا كان رد الجيش الأردني عابرا للحدود، عندما شن سلسلة غارات جوية على مواقع داخل الأراضي السورية استهدفت أشخاصا مرتبطين بتجارة المخدرات، وذلك بعد نحو 8 أشهر على عملية مماثلة نفذها الجيش وأدت إلى "مرعي الرمثان" أحد أبرز مهربي المخدرات والملقب بـ"إسكوبار السوري"، نسبة إلى بابلو إسكوبار، تاجر المخدرات الكولومبي الشهير.

 

وقبل الانتهاء من الحديث عن الفترة الماضية، فإن من الجدير ذكره هو أن محاولات التهريب شهدت ارتفاعا لافتا وتحولت وفق ما أكد الجيش الأردني "من محاولات تسلل وتهريب إلى اشتباكات مسلحة، بهدف اجتياز الحدود بالقوة من خلال استهداف قوات حرس الحدود"، كما أن المواجهات أدت إلى استشهاد الوكيل أول إياد النعيمي، فضلا عن مقتل واعتقال عدد من المهربين خلال سلسلة المواجهات، في حين تم شن مداهمة أمنية في لواء الرويشد جنوبي المملكة تخللها القبض على مهربين وتجار يرتبطون بعصابات إقليمية على طول الحدود الشمالية الشرقية، وكميات كبيرة من المخدرات، وكذلك الأسلحة والذخيرة وأجهزة اتصال ومناظير. 

 

التهريب بلغة الأرقام

 

ووفق أحدث البيانات الرسمية، تم تسجيل "88 حالة طيران مسيّرة" على واجهات المناطق العسكرية المختلفة منذ بداية 2023 وحتى 24 آب (أغسطس) الماضي، موزعة بين حالات "الإسقاط أو الرصد والتشويش"، إضافة إلى التصدي لما مجموعه 194 عملية موزعة بين 81 محاولة تهريب أو تسلل، و98 عملية تسلل مضبوطة، و15 عملية تهريب مضبوطة، حتى الثامن والعشرين من الشهر نفسه.

 

وفي عام 2022، أظهرت البيانات أن محاولات وعمليات التسلل والتهريب بلغ مجموعها 383، موزعة بين 218 محاولة تهريب أو تسلل، و120 عملية تسلل مضبوطة، و45 عملية تهريب مضبوطة.

 

وسجلت عمليات التسلل المضبوطة في 2022 حتى نهاية شهر آب (أغسطس) 75 عملية، بينما بلغت 98 عملية تسلل مضبوطة في 2023 حتى نهاية الشهر ذاته.

 

وحول المواد المضبوطة، أظهرت البيانات حتى 20 آب (أغسطس) الماضي ضبط 3776 "كف حشيش"، و1.7 مليون قرص كبتاغون، و2.6 كيلوغرام من "الكريستال" (ميثامفيتامين).

 

لا يقتصر أمر الخطر على المخدرات وحسب، ذلك أن إحدى المواجهات الساخنة التي امتدت على مدار يومين، شهدت إحباط تهريب وضبط 4 صواريخ نوع "آر بي جي"، و10 ألغام ضد الأفراد، وبندقية قنص نوع "جي3"، وبندقية نوع "م16" مجهزة بمنظار قنص"، ما يعزز رواية ارتباط تلك العصابات بقوى إقليمية تستهدف أمن الأردن واستقراره، وذلك بالنظر إلى حجم نشاط العصابات وقدراتها والإمكانات المتوفرة لها.

 

فتش عن إيران وأذرعها

 

وإن كانت الأردن لا يتهم إيران أو النظام السوري بشكل رسمي أو مباشر في رعاية عمليات التهريب تلك من خلال ميليشيات أبرزها حزب الله اللبناني، إلا أن أسماءً عدة بارزة توجه أصابع الاتهام إلى طهران وأذرعها، وهو ما أكده غير مرة خبراء بالأمم المتحدة ومسؤولون أميركيون وأوروبيون. 

 

في ندوة أقامتها مؤسسة مسارات للتنمية والتطوير بعنوان: "المواجهات على الحدود الشمالية والشرقية وتهديداتها على الأمن الوطني الأردني"، قال خبراء عسكريون ومسؤولون سابقون، إن "إيران تصعد المواجهة اليوم مع الأردن من خلال تكثيف محاولات التهريب، وهي مستميتة للدخول إلى المملكة من عدة أبواب منها سياحي أو ديني أو سياسي، وذلك في سياق مساعيها في عودة الامبراطورية الفارسية".

 

لم تخلُ الندوة من الحديث أيضا عن أن "التهريب القادم إلى الأردن رسمي، في ظل تعاون بين حزب الله والنظام السوري"، بينما تمت الإشارة في الوقت ذاته إلى أن "اقتصاد الكبتاغون في سوريا يدر على الإيرانيين من 6 إلى 8 مليارات دولار سنويا".

 

وتحدث في الندوة الوزيران السابقان سميح المعايطة بسام العموش، واللواء المتقاعد طايل المجالي، واللواء الركن المتقاعد عبدالله الحسنات، والمحلل السياسي والاستراتيجي الدكتور عمر رداد، وذلك بحضور نخبة من السياسيين والنواب والأكاديميين والإعلاميين. 

 

الجهود الدبلوماسية والسياسية.. تعثر أم فشل؟

 

ذلك كله، يؤشر بشكل واضح إلى أن الجهود الدبلوماسية والسياسية التي بذلها الأردن في أكثر من اتجاه خلال فترات ماضية، منها على سبيل المثال لا الحصر اجتماع أمني رفيع المستوى بين الأردن وسوريا عُقد في عمان في تموز (يوليو) الماضي، لبحث سبل مكافحة تهريب المخدرات على الحدود بين البلدين.

 

الاجتماع الذي ضم قائد الجيش ومدير المخابرات الأردنيين، ومن الجانب السوري وزير الدفاع ومدير المخابرات، انبثق عن ما عُرف بـ"اجتماع عمان التشاوري"، الذي استضافته المملكة في أيار (مايو) الماضي، وكان من بين مخرجاته تشكيل لجنة مشتركة بين عمان ودمشق هدفها التعاون في مكافحة تهريب المخدرات، وحينها تعهدت سوريا باتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق.

 

وبالتأكيد، لم يقتصر أو يتوقف الجهد الأردني عند ذلك الحد، وامتدت محاولات البحث عن حلول إلى دول عدة في المنطقة والإقليم والعالم، لكن ذلك كله لم يسفر عن نتائج إيجابية، بل إن الأمر زاد سوءا.

 

وبهذا الصدد، عادة ما تبرز أصوات تشدد على أهمية وجود دور خليجي في دعم وإسناد الأردن في حربه ضد تهريب المخدرات، لا سيما أن جزءا كبيرا من عمليات التهريب (يقدر بـ85%) يستهدف الوصول إلى دول الخليج، وتحديدا السعودية، ما يعني ضرورة النظر إلى الأمر بوصفه أزمة مشتركة ستكون تداعياتها أكثر سوءا على المنطقة ما لم يتم التصدي لها في إطار جمعي دون أن يترك الأردن وحيدا في الواجهة والمواجهة.

 

وهنا، تجدر الإشارة إلى الانسحاب الروسي من الجنوب السوري بسبب الحرب مع أوكرانيا، فاقم الضغط على الأردن، إذ ملأت الميليشيات التابعة لإيران الفراغ، وأصبحت لها اليد العليا هناك، بعد أن كانت روسيا بالنسبة للأردن تعد ضمانة بعدم وجود انفلات أمني يفتح الباب لعصابات التهريب على مصراعيه. 

 

لذلك، يعول الأردن على أن يحظى بمزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لتعزيز الأمن على الحدود مع سوريا، ومؤخرا طلبت المملكة من واشنطن نشر منظومة دفاع جوي (باتريوت). 

 

لا بديل عن خيار المواجهة العسكرية

 

ويعني ذلك بالضرورة، أن لا بديل متاحا أمام الأردن سوى التصدي للأمر بالقوة العسكرية الضاربة، وهو ما يُعيد إلى الأذهان، زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى حرس الحدود في شباط (فبراير) من العام 2022، عندما عبر جلالته عن دعمه لقواعد الاشتباك الجديدة ضد عمليات التهريب، قائلا للجنود "بدي العين الحمراء.. أنا ورئيس هيئة الأركان المشتركة والقيادة معكم حتى نحميكم"، وكذلك قول جلالته خلال زيارته إدارة مكافحة المخدرات في أيار (مايو) الماضي، "سنضرب بيد من حديد كل من يُهدد أمننا الوطني والإقليمي".

 

خلاصة القول، إن الأردن يخوض حربا مفتوحة ضد قوى التهريب التي تهدف لتهديد أمنه وزعزعة استقراره، فيما لا صوت لا يعلو على صوت القوة في ظل تعثر الحلول الدبلوماسية والسياسية، وهو ما تفسره التطورات الأخيرة التي دفعت إلى رفد وحدات حرس الحدود بكافة المعدات والوسائل الحديثة والمتطورة لتعزيز قدراتها في تنفيذ مهامها وواجباتها بكفاءة، وكذلك بتعزيز منظومة حرس الحدود الإلكترونية بكاميرات مراقبة ليلية ونهارية تعمل ضمن أجواء الضباب الكثيف، وتعزيز الإسناد الجوي، وأجهزة رصد راداري، والعمل على بناء سياج إلكتروني لمنع كل أشكال التسلل والتهريب عبر الحدود، خاصة في ظل الظروف الجوية السيئة.