“مسارات” و”الثقافة” تعقدان ندوة حول الإدارة الأردنية في عهد وصفي التل
تحدّث النائب عمر العياصرة عن الإدارة الأردنية في عهد رئيس الوزراء الأسبق، الشهيد وصفي التل، وذلك خلال ندوة عقدتها مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير، بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وجاءت الندوة ضمن مشروع الشراكة بين المؤسسة والوزارة “استنطاق مئوية الدولة وتحقيبها على عشرة عقود”، بهدف إقامة ندوات تثقيفية تُغطي الحقب العشر للمئوية الأولى للدولة، من خلال اختيار أبرز الشخصيات والأحداث التي عايشت تلك الحقب أو وثّقت تاريخها.
وقال العياصرة، إن وصفي التل أحد الرموز الأردنية المهمة، فهو يظهر أكثر وحضوره يتعاظم في الخطاب الأردني وفي الحديث المتداول بين الأردنيين وأحيانا على مستوى البسطاء والمسيّسين، وقد تستخدمه أيضا الجهات التي لديها موقف اعتراضي من الدولة، كما أن الدولة تستخدمه في كثير من الأحيان بالآونة الأخيرة لإعادة التوازن في هذا الموضوع.
وأشار إلى أنه قبل نحو سنة أو سنتين، زار سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، بيت وصفي الموجود في منطقة الكمالية؛ لذا فإن وصفي التل ليس بالشخصية العادية التي يمكن أن نتوقف عندها دون أن نتحدث عن مجموعة من المعطيات والأسئلة التي نطرحها بقوة، فالنمط الموجود في أذهاننا عن وصفي ليس الصورة الذهنية النهائية له.
وبين العياصرة، أن وصفي التل كان رئيس وزراء له أخطاؤه وطريقته في الإدارة وله فلسفته وكان له خصومه ومؤيدوه ومحبّوه، “ولكن أحيانا حينما تستشهد أو تُقتل من أجل موقفك السياسي أو من أجل مقاربتك السياسية تتضخم رمزيّتك أكثر فأكثر”.
وشدد على ضرورة قراءة شخصية وصفي بطريقة موضوعية وليست عاطفية، بهدف القدرة على التحليل السياسي واتخاذ المواقف، إذ ينبغي محاولة فهم الشخصية بعيدا عن الصورة النمطية التي قد تكون مضخمة أو مُبسّطة، وقد تكون عدائية أو مُحببة.
ورأى العياصرة، أن وصفي التل يُشبه جمال عبد الناصر الذي كان يطرح أفكارا أثناء حكمه، وعندما توفي أصبح هناك التيار الناصري والاتجاه الناصري وأصبحت كلماته وخطاباته تُدرّس كنسق سياسي، وأصبح هناك تيار كبير في الأمة العربية قريب منه.
وتابع: وصفي يُشبه ذلك لكن بصورة أردنية محلية أكثر، ومن قراءتي، فإن وصفي التل أكثر شخصية وطنية أردنية كانت تُقدر المصالح الحيوية الاستراتيجية للدولة الأردنية.
وأضاف العياصرة، أن وصفي كان يُقدر الإكراهات التي تتعرض لها الدولة الأردنية، وحجم مواردها، والجو السياسي، وطبيعة الوضع الأردني، ولم يكن خياليا أو حالما، ولم يكن في يوم من الأيام يحمل حلما بقدر ما كان يحمل واقعا.
وقال، إن وصفي التل ربما يكون قد أخذ من أبيه الصلابة والنفس المعارض والاعتراضي والشخصية القوية، كما أن أمّه كردية، وربما لهذه العوامل علاقة في أخذ هذه المفاهيم “بُنيويًّا”، لكن بالنهاية وصفي لم يكن خياليا.
وأكد العياصرة، أن وصفي كان يرى الأردن بمُقدّراته وحجمه وظروف صياغته والإقليم المحيط به وتحدياته، وكان يرى المشهد الفلسطيني بالطريقة الأردنية، وهذا الفارق الذي تميز به وصفي التل عن غيره من الرؤساء في حينه.
ولفت إلى أن وصفي التل كان يرى أن الإدارة الأردنية لا يمكن أن تستقيم إلا بالعاصم الأخلاقي، بمعنى أن الفساد أحد الأضرار الواقعة على بقاء الدولة وليس مجرد حالة عارضة.
وأضاف العياصرة: كان أجدادنا في السابق عندما يتحدثون عن وصفي ، يقولون كان حلمه ببساطة أن يدخل ليُصلي في المسجد الحسيني ويترك حذاءه في الخارج ولا يُسرق!.
وتابع: وصفي التل كان حالما حقيقيا بأن الأردن لا يتحمل الفساد لأن موارده قليلة، وأن هذه الدولة يجب إدارتها بحيث “تعد للمليون قبل أن تمد يدها على المال العام”، وهذه المقاربة الإدارية ليست مقتصرة على وصفي، بل هي موجودة عند أي شخص لديه أخلاق سياسية وطنية، لكن وصفي التل كان يربط بين ذلك والموقع الجيوسياسي للأردن، بمعنى أن حدود الأردن مرهقة.
وأشار العياصرة إلى أن وصفي كان قَلِقا من ذلك الأمر، ويرى أنه لا بد من أن يستقلّ الأردن في سياسته الاقتصادية، أو على أقل تقدير ألا يحتاج أحدا أو أن تكون بُنيته الاقتصادية ليست مسروقة أو فاسدة؛ حتى يتمكن الأردن من التحرك بهوامش سياسية أعلى.
وقال: أرى أن وصفي التل كان نموذجا يفهم الأردن وقدراته، فكان يتعامل معها ويُعظّمها، وكان يحاول نحت هوية للدولة، خصوصا في الفلكلورية والرمزية الأردنية.
ووصف العياصرة وصفي بأنه “رجل ودولة”، فعلاقته مع القصر كانت علاقة الجملة الاعتراضية، بمعنى أنه بعد علاقة الولاء يُقدم جملة اعتراضية ورأيا آخر، كما أن واحدا من ملامحه أن الإدارة يجب أن تكون نقية وعلى مستوى عالٍ من العاصم الأخلاقي.
وأضاف: وصفي التل بعد وفاته قدّم مفهوم التضحية، “بمعنى أن هذا الوطن ليس مؤقتا ويجب أن تُضحي له حتى يستمر”، ومفهوم الشهيد السياسي قدّمه هزاع المجالي، ثم جاء وصفي ليؤكده، هذا الشهيد الذي يقول إن هذا الكيان ليس مؤقتا وإن هويته لا تتأرجح، “لا بل هناك هوية نَموت من أجلها”.
وشدد العياصرة على أن وصفي التل لم يُقتل لأنه رئيس وزراء الأردن، بل لأنه كان يقدم في تلك اللحظة التاريخية رواية الأردن الحقيقية في علاقتها مع المشهد الفلسطيني، “كان يقدم رواية الأردن هي الأردن وفلسطين هي فلسطين، وربما لم تُعجب الكثيرين في تلك اللحظة، وارتقى شهيدا”.
وحضر الندوة عدد من الشابّات والشباب المهتمين بالشأن السياسي والتاريخي والثقافي.