>

عودة ترامب والسناريوهات المتوقعة للشرق األوسط

المقدمة تشهد المنطقة العربية منعطفًا حاس ًما في تاريخها السياسي، مع عودة الرئيس األمريكي السابق دونالد ترامب إلى دائرة الضوء في المشهد السياسي األمريكي، وسط تباين حاد في السياسات والتوجهات بين الديمقراطيين والجمهوريين. هذه العودة المحتملة تحمل انعكاسات بعيدة المدى على قضايا المنطقة، في مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تواجه محاوالت مستمرة إلعادة رسم معالمها بما يخدم أجندات الهيمنة اإلسرائيلية. االختالفات بين الحزبين الحاكمين في الواليات المتحدة ال تقتصر على النهج الداخلي، بل تمتد بشكل كبير إلى السياسة الخارجية، إذ يرتبط الجمهوريون، وفي مقدمتهم ترامب، بمواقف أكثر انحيا ًزا لصالح إسرائيل، مع دعم واضح لتوجهاتها االستيطانية وسياساتها التوسعية. على الجانب اآلخر، يبرز الديمقراطيون بمقاربات أكثر مرونة، لكنها ال تخلو من التحديات للدول العربية، خاصة في قضايا الديمقراطية وحقوق اإلنسان . في ظل هذه الظروف، يواجه األردن تحديات مصيرية تعكس تعقيد المشهد اإلقليمي، خصو ًصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. إذ تُظهر السياسات األمريكية المتوقعة خالل والية جديدة لترامب رغبة واضحة في دفع أجندات تضع مزيدًا من الضغوط على األردن، سواء من خالل خطط تستهدف حل القضية الفلسطينية على حساب مصالحه القومية، أو عبر تعزيز التوترات اإلقليمية التي تضيف أعبا ًء جديدة على اقتصاده وأمنه الداخلي. ّظمتها مؤسسة مسارات األردنية، حيث انبرى هذه الورقة جاءت خالصة لجلسة حوارية مغلقة ن المشاركون، من خبراء ومحللين، إلى استعراض األبعاد االستراتيجية لهذه المرحلة الدقيقة، وتفكيك السيناريوهات المحتملة التي قد يواجهها األردن والمنطقة. وتطرقت النقاشات إلى التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذه التحوالت، مع التركيز على األبعاد السياسية، االقتصادية، واألمنية . 3 مضامين هذه الورقة .1 التحديث والتماسك الداخلي: هل يكفي خطاب اإلرادة لتجاوز األزمات؟... ماذا عن لغة التشكيك بالمواقف األردنية حيال الحرب على غزة؟ وماذا عن عمليات اإلقصاء والتهميش في المشهد السياسي؟ .2 الوجود الفلسطيني بين اإلنكار والصفقات: كيف يعيد ترامب تشكيل خرائط المنطقة وأدوار الالعبين؟ .3 ترامب بين دروس الماضي وتحوالت الحاضر: هل تُعيد السياسة األمريكية صياغة الشرق األوسط؟ .4 لعبة القطع المتناثرة أمام الضغط األقصى وإعادة التموضع: الشرق األوسط بين مقاربات ترامب وصعود القوى اإلقليمية .5 الصمود األسطوري للمقاومة ونظرية توسيع حجم إسرائيل: كيف يعيد األردن صياغة دوره في ظل التحوالت الدولية؟ .6 ترامب و"آلة الحاسبة"... أخطاء حماس... وجنون السنوار .7 الشرق األوسط: بين حلقات النار وصفقات النفوذ التحديث والتماسك الداخلي: هل يكفي خطاب اإلرادة لتجاوز األزمات؟... ماذا عن التشكيك بمواقف األردن حيال الحرب على غزة؟ وماذا عن عمليات اإلقصاء والتهميش في المشهد السياسي؟ .1 المشاركون في الجلسة أجمعوا على أهمية عملية التحديث والتطوير في الدولة، وأنها يجب أن تكون مسا ًرا دائ ًما دون انقطاع، يشمل مختلف القطاعات اإلدارية واالقتصادية والسياسية، فرسوخ الدولة ال يتحقق إال باستمرار هذا النهج، والمملكة األردنية الهاشمية تقدم نموذ ًجا للدولة الراسخة التي تواجه أزمات اإلقليم وتحدياته، كما أنها تتعامل بحكمة مع القرارات السياسية التي قد تؤثر على المنظومة اإلقليمية أو تهدد االستقرار اإلقليمي. .2 في هذا السياق، أتى خطاب جاللة الملك ليؤكد على مكانة الدولة األردنية ككيان ثابت ومتماسك، قادر على مواجهة ما يعصف بالمنطقة. وقد حملت كلمات جاللته رسائل واضحة للداخل والخارج على حد سواء، موجهة إلى السلطات الثالث، وإلى المجتمع األردني، مفادها أن األردن، بمؤسسا ته وشعبه، دولة مستقرة وراسخة في وجه التحديات. .3 ومن أبرز ما شدد عليه جاللة الملك، هو الدور المحوري للشباب األردني في المرحلة المقبلة، باعتبارهم ركيزة أساسية في مسيرة التحديث والتطوير. إن تمكين الشباب ومواكبة مسارات التجديد هو السبيل نحو بناء مستقبل قوي للدولة األردنية، حيث تُترجم هذه الرؤية عمليًا إلى استراتيجيات تُعزز من استدامة مسيرتها. 4 .4 غير أن الواقع، كما يظهر من األحداث األخيرة، ال يعكس دائ ًما ترجمة دقيقة لهذه الرؤية. اإلقصاء السياسي الذي شهدناه، مثل استبعاد جماعة اإلخوان المسلمين من المكتب الدائم ورئاسة المجلس النيابي، يثير تساؤالت حول مسار التحديث السياسي في األردن. وعلى الرغم من أنني ال أنتمي إلى التيار اإلسالمي، فإنني أرى أن هذا النهج، بدًال من أن يُضعف الجماعة، عزز مكانتها الشعبية. .5 التحديث السياسي الحقيقي يتطلب شمولية وتشاركية تتيح لجميع األطراف المساهمة في بناء الدولة، وليس اإلقصاء أو التهميش. فالظروف اإلقليمية والدولية المحيطة باألردن تفرض تحديات معقدة، وال يمكن مواجهتها إال بجبهة داخلية متماسكة تُشكل در ًعا حقيقيًا أمام هذه الضغوط. .6 ما حدث داخل البرلمان يُبرز اختالفات عميقة حول منظومة التحديث السياسي. فالتحالفات المؤقتة وتوزيع المقاعد النيابية، بما ال يعكس معايير الكفاءة أو التوازن، أدت إلى مشهد سياسي مرتبك، يثير القلق حول مصداقية المسار الديمقراطي في األردن. لكن بالرغم من هذه التعقيدات، فإن خطاب جاللة الملك قدم رؤية استشرافية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وتؤكد أن الدولة األردنية تمتلك مقومات الصمود واالستمرارية إذا ما تحققت اإلرادة السياسية لترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع. .7 لغة التشكيك بمواقف األردن على مختلف مستوياتها تصب في زعزعة تماسك الموقف األردني والجبهة الداخلية وال تخدم إال المحتل وأجنداته، األمر الذي يحتاج مواقف موضوعية وطنية وشجاعة وغير شعبوية، الن المرحلة ليست مرحلة جني الشعبية بل تحصين األردن في مواجهة المخططات االسرائيلية وكذلك التحديات التي تطل برأسها مع قدوم ادارة أميركية جديدة عنوانها ترامب المنحاز لليمين االسرائيلي. الوجود الفلسطيني بين اإلنكار والصفقات: كيف يعيد ترامب تشكيل خرائط المنطقة وأدوار الالعبين؟ .1 حين نتأمل الفريق الذي تم تشكيله إلدارة البيت األبيض في السنوات المقبلة، نجد أن توجهاته اليمينية المتطرفة ال تخفى على أحد. بل إن بعض أعضائه يتبنون مواقف متصهينة تتجاوز في تطرفها ما ُعرف عن التيار الصهيوني التقليدي نفسه. هذه التوجهات تعكس رؤية تُنكر الوجود الفلسطيني كمفهوم سياسي وكيان إنساني، في إطار خطط تعمل على إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالح ضيقة ومتشددة. .2 شخصية ترامب، كما يعرفها الجميع، مثيرة للجدل، فهو كان قد وصف نفسه بـ"المجنون"، معتب ًرا أن هذا الجنون يشكل ميزة تُبقي الخصوم في حالة تخبط وعدم يقين. .3 ترامب ال يعارض الحروب من حيث المبدأ، لكنه يرفض تحمل تكلفتها، ورؤيته للسياسة الخارجية أقرب إلى إدارة استثمارات تجارية، حيث يُطالب الحلفاء بدفع مقابل الحماية األمريكية، على سبيل المثال، عندما طلب ولي العهد السعودي األمير محمد بن سلمان أن تكون الرياض أول وجهة خارجية لترامب إبان فترة رئاسته 5 السابقة، اذ اشترط األخير توفير استثمارات ضخمة بقيمة 450 مليار دوالر، متجاو ًزا بذلك العُرف الدبلوماسي الذي يجعل بريطانيا عادة الوجهة األولى للرؤساء األمريكيين. .4 أما فيما يتعلق بمنطقة الشرق األوسط، فإن توجهات ترامب تنذر بتحوالت جذرية، إذا استمر في نهجه القائم على تحميل الدول األخرى تكلفة السياسات األمريكية، فإن إسرائيل، التي تعتمد اعتمادًا شبه كامل على الدعمين األمريكي واألوروبي، قد تتحول إلى عبء استراتيجي على الواليات المتحدة، وهذه النقطة تحديدًا قد تكون لها انعكاسات بعيدة المدى، خاصة إذا استمر تراجع الدعم غير المشروط إلسرائيل، كما أظهرت معركة "طوفان األقصى"، التي كان للدعم األمريكي فيها دور أساسي في استمرارها. .5 في هذا السياق، يجب على الدولة األردنية أن تستعد لمرحلة تتسم بعدم اليقين، عبر تعزيز جبهتها الداخلية، وتحقيق توافق وطني شامل يُح ّصنها من الضغوط اإلقليمية والدولية، فالتعامل مع إدارة ترامب الجديدة يتطلب مرونة دبلوماسية وقراءة دقيقة لمعادلة المصالح المتغيرة، حيث ال مجال إال لبناء موقف صلب يستند إلى وحدة الصف الداخلي ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. ترامب بين دروس الماضي وتحوالت الحاضر: هل تُعيد السياسة األمريكية صياغة الشرق األوسط؟ ا في اآلراء عندما تعلق األمر بعودة ترامب والقيمة المضافة التي سيقدمها للمنطقة، فعودة .1 شهدت الجلسة اختالفً ترامب بالنسبة لبعض المشاركين إلى المشهد السياسي في الواليات المتحدة ليست عودة ذات طابع تقليدي؛ فهي محملة بدروس قاسية استخلصها من تجربته األولى، وأي ًضا من سياسات إدارة بايدن التي خلفته في التعامل مع القضايا اإلقليمية والدولية. ما يلفت النظر هو حرصه مؤخ ًرا على إظهار مرونة غير معهودة، خاصة في قبول نتائج االنتخابات الماضية وتركيزه على تسليم سلس للسلطة، وهو تحول ملحوظ عن أسلوبه الصدامي السابق. .2 كما أن الضربة السياسية التي تلقاها ترامب في ختام واليته األولى شكلت منعطفًا حاس ًما أجبره على إعادة صياغة نهجه وترتيب أولوياته، لكن، وفي ظل المعطيات الراهنة، ما قدمه بايدن إلسرائيل خالل فترة رئاسته من دعم سياسي واقتصادي وعسكري يكاد يصل إلى مستويات يصعب على ترامب حتى مجاراتها، ما يثير تساؤالت حول القيمة المضافة التي قد يقدمها ترامب إلسرائيل في حال عودته . .3 وعن عودة ترامب، برز اختال ٌف في الرؤى حول شخصيته، إذ قال البعض إن ترامب الجديد يختلف جذريًا عن نسخته السابقة، إذ لم يعد ذاك السياسي المندفع الذي كان يُوصف بالهاجس أو الجنون، بل يبدو أكثر وعيًا وإدرا ًكا لديناميكيات السلطة األمريكية، فيما عبّر آخرون عن شخصيته التي ُشبهت بنهج الرئيس السابع للواليات المتحدة، أندرو جاكسون، حيث تتسم قراراته بالمفاجأة وعدم القابلية للتنبؤ. هذه العقلية تؤثر بشكل مباشر على إدارة العالقات الدولية، وتجعل من "عدم االلتزام المسبق" مبدأ أساسيًا في سياساته. 6 .4 وهناك أي ًضا الدولة العميقة، ممثلة في المؤسسات والشركات الكبرى، إذ ال تزال القوة الخفية التي تتحكم في السياسة الخارجية، وهي نفسها التي تحدد حدود حرية حركة ترامب، ومن خالل اختياراته الجديدة لمسؤولي وزارة الخارجية، البيت األبيض، وأجهزة األمن مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، يتضح أن فريقه المستقبلي سيحاول تحقيق توازن بين رؤيته الشعبوية ومتطلبات النظام المؤسسي، فيما ذهب البعض إلى القول إن ترامب ا يسعى إلى تقويض ما يُعرف بـ"الدولة العميقة"، التي ترسخت عبر عقود في الواليات المتحدة، مستهدفً مؤسسات أمنية وسياسية مثل " FBI "وغيرها، وهذه المحاوالت قد تُعيد تشكيل النظام األمريكي نفسه، وهو ما قد ينعكس على مكانة الواليات المتحدة العالمية، وعلى دورها في الشرق األوسط. .5 بالرغم من ذلك، فإن طبيعة هذا الفريق، الذي ال يخفي ارتباطاته المتصهينة ووالءه إلسرائيل، قد تعكس رغبة في استكمال ما بدأه ترامب خالل واليته األولى. ومع ذلك، يجب أن ننتبه إلى أن التنفيذ في هذه المرحلة سيكون أكثر تعقيدًا ودقة، خاصة أن صفقة القرن التي دفع بها ترامب في عام 2018 لم تثمر عن النتائج المرجوة بل واجهت مقاومة واسعة النطاق، مما عرقلها حتى قبل نهاية فترته. .6 التغيرات الدولية منذ ذلك الوقت، خصو ًصا ما شهدته غزة من دمار واسع في ظل دعم أمريكي وأوروبي غير محدود إلسرائيل، أكدت أن السالم وحقوق اإلنسان مجرد شعارات لالستهالك اإلعالمي. لكن هذه التطورات أظهرت أي ًضا تحو ًال ملحو ًظ بين ترامب ونتنياهو لن تكون كما ا في ميزان القوى؛ إذ إن العالقة المستقبلية كانت، فالمصالح المتغيرة وضغوط الداخل األمريكي تجعل التحالف بينهما أكثر تعقيدًا. .7 وفي خضم هذه التحوالت، يبرز خطاب جاللة الملك كإشارة واضحة تحمل أبعادًا استراتيجية. استخدامه لعبارة "قدس العروبة" يعكس رؤية متجددة تستند إلى تأكيد الهوية العربية للقدس، في رسالة رمزية عميقة تهدف إلى ترسيخ موقف األردن المحوري في حماية الحقوق العربية واإلسالمية في المدينة المقدسة، وسط تحديات إقليمية ودولية متصاعدة. لعبة القطع المتناثرة أمام الضغط األقصى وإعادة التموضع: الشرق األوسط بين مقاربات ترامب وصعود القوى اإلقليمية .1 الحرب العالمية الثالثة ليست مجرد عنوان يُستدعى في نقاشات السياسة، بل أصبحت هاج ًسا يُخيّم على العالم في ظل صعود التوترات الجيوسياسية، من تهديدات كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية واليابان، إلى تصاعد النزاعات اإلقليمية في الشرق األوسط. وبينما يراقب العالم بقلق التحوالت الكبرى، يبدو الشرق األوسط مسر ًحا مركزيًا لتلك التغيرات، خاصة مع الحديث عن عودة الرئيس األمريكي السابق دونالد ترامب، وتأثيرها المتوقع على المنطقة