غنيمات يكتب: كل ومسؤوليته
وبعد نقاشٍ مطول حول ماهية توقيت الانتخابات، والتساؤل حول نجاحها، أو حتى إجراءها من عدمه، اليوم يفصلنا عنها أيام قليلة، وهو الاستحقاق الدستوري، والقانوني، والسياسي المهم، والذي سيأخذ الأردن إلى مسار مختلف يطمح إليه في مئويته الثانية.
وصولنا إلى هذه المرحلة يظهر جدية الإرادة السياسية بأخذ الأردن خطوة جديدة باتجاه حالة سياسية مختلفة، بأركان مختلفة ، بأدوات متجددة، وبشكل مختلف، وهو ما يكرس جهود الداخل الأردني لمواجهة ما يحدث في الإقليم.
التجربة ستمضي دون شك، وسنتعلم منها الكثير، وسنغوص أعمق في سيكيولوجيا الناخب الأردني، والمجتمع الأردني، باحتياجاته، وتطلعاته، ورغباته الدائمة بالمشاركة، كما أننا سنكتشف وجود رغبه عند الأردنيين في تطوير حياتهم السياسية، وهذا ليس بالشيء المستغرب، فالأردني مواطن متعلم، مثقف، ويطمح دائمًا إلى الأفضل.
بقراءة عميقة للأوراق المتناثرة اليوم، يمكننا الاستخلاص من الانتخابات أن عدد النواب المنتمين للأحزاب سيفوق ما تضمنه قانون الانتخاب، وهنا نتحدث عن 41 مقعدا، حيث كل القراءات تشير إلى أن عدد النواب المنتمين للأحزاب سيتجاوز هذه النسبة، وهذا أمر جيد وإيجابي، فهذا ما يطلق عليه بدايات المرحلة، وأولى الخطوات باتجاه مناخ سياسي حزبي مختلف. بالإضافة إلى التوقعات بأن تكون نسبة وعدد المقاعد الحزبية أعلى مما ينص عليه القانون، هناك أيضًا وبشكل مفاجئ وغير متوقع، ورغم الفتور الذي ساد المزاج الانتخابي في البدايات، إلا أن القراءات والدراسات والأبحاث والاستطلاعات التي تجريها المؤسسات كلها تؤشر إلى أن نسب المشاركة ستفوق التوقعات، وربما تزيد عن نسب عامة في سنوات انتخابات سابقة، وهذا في حد ذاته نتيجة القانون، والجهد التي قامت فيه الهيئة المستقلة للانتخاب، وما نتج عن ذلك من ولادة الأحزاب الجديدة التي كانت مؤمنة بالمشروع، ومؤمنة بالمرحلة الجديدة التي دشنها جلالة الملك في تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. الدولة أدت مسؤولياتها، واليوم ينبغي الحديث عن مسؤولية الناخب باختيار برنامج، وحزب، ونائب يمثلونه، لأن هذا المجلس سيحكم الأمر بالتشريع، وبالرقابة خلال السنوات الأربع المقبلة، وهذا يضع مسؤولية على الناخب بألا يكون سلبيًا، أو مسلوبا، اذ ينبغي عليه أن يشارك في الانتخابات اليوم، ليمتلك الحق يوم غد بمحاكمة ومحاسبة مجلس النواب. المشاركة اليوم تعني حق الناخب أن يكون شريكا بالاختيار وبالتالي شريكا في المحاسبة، أما عدم الاشتراك بالانتخاب فلا يعطي الناخب الحق بأن يكون لديه هذه السلطة، فهو بالنهاية سيتحمل مسؤولية مخرجات صناديق الاقتراع. الدولة والهيئة المستقلة للانتخاب سعت بشكل حثيث لدرء الشبهات، ووضعت معايير ربما هي الأعلى شفافية ووضوحاً في عمر الدولة، وهذه الشفافية ترافق كل الخطوات وفي كل مراحلها، منذ أن يضع الناخب صوته في الصندوق وحتى عمليات الفرز ستكون تدريجية يدوية وإلكترونية، كما ستعلن النتائج أول بأول لأول مرة، وهذا يبدد كل الشكوك حول محاولات البعض التشكيك بنزاهة الانتخابات. ما بعد الانتخابات ستكون المسؤولية على النواب، لأنهم سيأتون إلى القبة في ظرف استثنائي صعب، معقد، مركب محليًا، إقليميًا، دوليًا، فهذا المجلس سيعيش مرحلة حساسة من تاريخ الدولة الأردنية ومن مستقبلها، وبالتالي عليه أن يكون مجلسا قويًا، وطنيًا، برامجيًا، يكون هدفه خدمة المواطن وحماية الوطن. اليوم الأردن يخطو خطوة كبيرة باتجاه حياه سياسية مختلفة، مناخ سياسي مختلف، بيئة سياسية مختلفة، هي بداية التجربة، هي أول التجربة، هي وكل التوقعات ان نجاح هذه الانتخابات بغض النظر عن كل الملاحظات التي تدور حولها ستؤسس لحالة مختلفة، ستتبلور خلال العقد القادم. اليوم الاختبار مهم على الناخب، على الأحزاب، على الهيئات الرقابية، على كل الجهات المعنية بأن تنجح هذه الانتخابات، وأن نقدم نموذجا للعالم وللمواطن كيف تكون الانتخابات نزيهة، لنمحو انطباع سيء ومشكك حدث في ماضي الايام. إذن، وبالنتيجة يوم الثلاثاء هو اختبار للكل، اختبار للهيئة، اختبار للناخب، اختبار للمرشحين على القوائم المحلية، اختبار أيضًا للأحزاب، وبالتالي على الجميع أن يكون على قدر هذه المرحلة، وعلى قدر هذه المسؤولية، وأن يكون الجهد مشترك. حتى مؤسسات المجتمع المدني اليوم عليها مسؤولية بالرقابة وبالمتابعة وفي حث الناس على أن تشارك، اذ لم يبقَ إلا أيام قليلة تفصلنا عن صندوق الاقتراع، فيجب على أن الكل أن يسعى إلى إنجاح هذه المهمة حتى نؤسس لنجاحات خلال العشر سنوات المقبلة بالتأسيس لحالة سياسية، حزبية، صحية، قوية. وبالتالي على الجميع أن ينجّح هذا اليوم، لأنه ما يبنى على نجاح سيبقى ناجحا، وما سيبنى على فشل لن يقودنا إلى الطريق الذي ينشده الأردن، وجلالة الملك، والناس، والمجتمع. إذا دعونا نتجه لصناديق الاقتراع، دعونا نصوت اليوم، حتى نمتلك الحق غدا بمحاسبة مجلس النواب.