جلسة حوارية حول "التحديث الاقتصادي إنجازات الحكومة ما لها وما عليها"
مسارات تفتح ملف التحديث الاقتصادي.. "إنجازات الحكومة ما لها وما عليها"
عقدت مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير جلسة نقاشية بحضور عدد من الصحافيين وأصحاب الاختصاص حول رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، التي تشكل ركيزة أساسية لمشروع الإصلاح الذي بدأته الدولة وأقره جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
وتناولت الجلسة أثر تدفق اللاجئين على النمو السكاني والخدمات الحيوية في الدولة، وأمن المياه في ظل عدم الاستقرار الإقليمي والتهديدات المتزايدة، بالإضافة إلى انخفاض الإيرادات العامة بشكل كبير، حيث تراجعت عن تقديرات الموازنة بأكثر من 600 مليون دولار في 7 أشهر فقط.
اللقاء الذي أداره المدير التنفيذي لمؤسسة مسارات طلال غنيمات، استضاف النائب السابق الدكتور خير أبو صعيليك بحضور عدد من أصحاب الاختصاص.
وأوضح أبو صعيليك أنه لفهم ضرورة التحديث الاقتصادي بشكل كامل، يجب أخذ المسار الاقتصادي للأردن خلال العقدين الماضيين بعين الاعتبار، فقد شهدت الفترة من عام 2000 إلى عام 2008 نموًا اقتصاديًا جيدًا، بمعدل نمو متوسط بلغ 6.5٪، مدعومًا بالظروف الإقليمية المستقرة والسياسات المحلية الفعّالة، لكن الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009 كانت نقطة تحول، أدت إلى فترة مطولة من التباطؤ الاقتصادي.
وأشار إلى أن الفترة من عام 2009 إلى عام 2023 شهدت انخفاضًا كبيرًا في معدل النمو الاقتصادي الذي بلغ 2.3٪ فقط في المتوسط، وتفاقم هذا التباطؤ بسبب الصدمات الخارجية، مثل أزمة اللاجئين السوريين التي شهدت دخول أكثر من 1.3 مليون لاجئ إلى الأردن، مما أدى إلى إجهاد الموارد العامة والبنية التحتية.
وبيّن أبو صعيليك أن الركود الاقتصادي لم ينعكس فقط في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، بل وأيضًا في الدين العام المتصاعد. واستعرض مسار الدين العام في الأردن على ثلاث مراحل، أولها قبل الربيع العربي، حيث كانت الزيادة في الدين العام تدريجية وقابلة للإدارة. أما المرحلة الثانية، خلال الربيع العربي، فشهدت تصعيدًا حادًا في الدين العام نتيجة الاستجابة الحكومية لعدم الاستقرار الإقليمي والضغوط المحلية. أما المرحلة الثالثة، بعد عام 2018، فقد تميزت باستقرار طفيف، لكن جائحة كوفيد-19 أدت إلى ارتفاع حاد آخر في الدين العام.
ولفت إلى أن ارتفاع الدين العام يمثل مصدر قلق خاصة عند مقارنته بنسب النمو الاقتصادي المحدودة ، موضحًا أن خدمة الدين العام ارتفع بنسبة 216% في فترة ما بعد الجائحة مقارنة مع عام 2015 مما أدى إلى زيادة الضغط على الماليةالعامة.
وأضاف أن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن تتفاقم بسبب بيئته الجيوسياسية غير المستقرة، مما يجعل التحديث أكثر إلحاحًا لضمان الاستقرار الاقتصادي والنمو على المدى الطويل.
وأكد أن الرد الأردني على هذه التحديات يتطلب تحديث الأدوات والاستراتيجيات الاقتصادية لبناء نظام اقتصادي أكثر مرونة وقادر على تحمل الصدمات المستقبلية.
وأشار إلى أن العدوان الأخير على غزة والضفة الغربية لم يقتصر على تعميق الأزمات الإنسانية، بل وجه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، خاصة في قطاعي السياحة والنقل، حيث تعرضت حركة البحر الأحمر، وهو شريان حيوي للتجارة والسياحة، للتعطيل.
وتابع أن التوجيهات الملكية كانت واضحة وحاسمة في مواجهة هذه التحديات، مشددًا على الحاجة الملحة لتسريع تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتعزيز الأمن المائي في الأردن، بالإضافة إلى تعزيز قدرات القوات المسلحة الأردنية لحماية الحدود من التهديدات.
وأوضح أبو صعيليك أن تطور التخطيط الاقتصادي في الأردن كان جزءًا من رؤية الأردن 2025، التي أطلقتها الحكومة في عام 2014، ولكن بحلول عام 2018، أصبح من الواضح أن هذه الرؤية وحدها لم تكن كافية لمعالجة التحديات الناشئة.
وأضاف أن الحكومة استجابت بتقديم خطة للنمو الاقتصادي ركزت على التحفيز المباشر والمشاريع الكبرى، مع هدف خلق أكثر من مليون فرصة عمل، تتطلب استثمار 41 مليار دينار، مقسمة كالتالي: 30 مليار من الاستثمارات ومشاريع الشراكة، و11 مليار من خلال الاستثمارات الحكومية.
وشدد أبو صعيليك على أن نجاح رؤية التحديث الاقتصادي يتطلب برنامجًا تنفيذيًا منظمًا لتحقيق الأهداف الموضوعة، مشيرًا إلى أن الحكومة وضعت بالفعل برنامجًا تنفيذيًا للسنوات 2023 إلى 2025.
ولفت إلى أن البرنامج التنفيذي وضع أهدافًا اقتصادية كلية محددة، مثل معدل نمو متوقع بنسبة 2.7٪ لهذا العام، وعجز في الموازنة بمقدار يصل إلى - 4.7٪، ورصيد دين عام متوقع أن يصل إلى 84٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن حقائق النصف الأول من العام قد انحرفت عن هذه التوقعات المتفائلة.
وبين أبو صعيليك الحرب الدائرة في غزة، كان لها تأثير ملموس خاصة في الربع الأخير من عام 2023، حيث انخفض معدل النمو إلى 2.6٪ بحلول نهاية العام. كما تأثر قطاع السياحة، وهو جزء حيوي من اقتصاد الأردن، بشدة، حيث انخفضت عائدات الفنادق في المملكة بنسبة 26.2٪ في النصف الأول من عام 2024 وحده. ويمثل هذا الانخفاض الكبير ما يقرب من ربع الدخل المتوقع لقطاع السياحة.
وعلاوة على ذلك، تضرر قطاع النقل بشدة أيضًا. فقد ارتفعت تكلفة شحن الحاويات، وخاصة من الشرق الأقصى، بشكل كبير. فالحاوية التي يبلغ طولها 20 قدمًا والتي كانت تكلف في السابق ما بين 1600 دولار و1800 دولار تكلف الآن حوالي 3500 دولار - بزيادة تقترب من 100٪. كما أدت أوقات العبور الممتدة والتحديات اللوجستية التي يواجهها المستوردون إلى تفاقم هذه التكاليف، واضطر العديد من المستوردين، الذين يواجهون تأخيرات في ميناء العقبة، إلى إعادة توجيه شحناتهم إلى ميناء دبي، فقط لمواجهة المزيد من الزيادات في التكاليف. على سبيل المثال، تضاعفت تكلفة الشحن من دبي إلى عمان من 6000 درهم إلى 12000 درهم، وفق أبو صعيليك.
انخفاض الإيرادات
وبين أنه حتى يوليو/تموز من العام الجاري، انخفضت الإيرادات بأكثر من 600 مليون دينار عن التقديرات الواردة في مشروع قانون الموازنة. ويمثل هذا العجز تأثيراً كبيراً على الموازنة الوطنية، مما اضطر الحكومة إلى تنفيذ تدابير واسعة النطاق تهدف إلى الحد من الإنفاق. وكان أحد هذه التدابير خفض الإنفاق بنسبة 15%، وهو ما أثر، على الرغم من ضرورته، على الإنفاق الرأسمالي ــ وهو المجال الذي كان يُـرَوّج له باستمرار في كل ميزانية باعتباره بحاجة إلى النمو عاماً بعد عام.
وقال أبو صعيليك إن الحكومة اتخذت خطوات محددة لمعالجة التكاليف المتزايدة المرتبطة بالإجراءات الجمركية، وخاصة في تقدير تكلفة نقل الحاويات، وفي محاولة لتخفيف العبء المالي على المستوردين، عادت الحكومة إلى استخدام أسعار ما قبل جائحة كورونا، وتهدف هذه الخطوة إلى التخفيف من آثار الزيادات الكبيرة في تكاليف الشحن التي حدثت على مدى السنوات القليلة الماضية.
وأكد أنه لفهم تأثير هذه التحديات الاقتصادية بشكل كامل، من المهم فحص بعض الإحصائيات الرئيسية التي تسلط الضوء على حجم الأزمة الناتجة عن كل من الوضع الاقتصادي العالمي والحرب الوحشية على أهلنا وإخواننا في غزة. على سبيل المثال، بلغ عدد الحاويات مقاس 20 قدمًا المستوردة إلى الأردن حتى يونيو الماضي 37581 حاوية، مقارنة بـ 50781 حاوية خلال نفس الفترة في عام 2023 - وهو انخفاض حاد بنسبة 26٪. وبالمثل، انخفض عدد الحاويات مقاس 40 قدمًا من 89476 إلى 80229 حاوية، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 10٪.
وشدد على أن الوضع مقلق بنفس القدر عندما يتعلق الأمر بالصادرات. فقد شهد عدد الحاويات المصدرة مقاس 20 قدماً انخفاضاً أكثر حدة، حيث انخفض من 28,146 حاوية إلى 16,198 حاوية فقط، وهو انخفاض حاد بنسبة 42.5%. كما انخفض عدد الحاويات المصدرة مقاس 40 قدماً، وإن كان بنسبة أصغر قليلاً بلغت 14%، وهذه الأرقام توضح بشكل صارخ التأثير العميق الذي خلفته الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية الأخيرة على قطاع التجارة في الأردن.
أنجازات أقل من المطلوب
من جهته، قال المدير التنفيذي لمؤسسة مسارات طلال غنيمات، إن التطلع إلى انتخابات تجسد العدالة والنزاهة والشفافية ليس مجرد مثال إجرائي، بل هو ركيزة أساسية في بناء دولة مرنة وحيوية، وأكد أن المبادئ المذكورة تشكل الأساس الذي تقوم عليه الثقة في عملية الانتخاب، ما يضمن أن تكون انعكاسًا حقيقيًا لإرادة الشعب.
وأشار إلى أن التوجيه الملكي الذي حفّز إعادة تنظيم القطاع العام يمثل لحظة مهمة في رحلة التحديث الجارية في الأردن، مؤكدًا الحاجة إلى إعادة تقييم شامل وإعادة هيكلة الأطر الإدارية.
وأوضح أن غياب قطاع عام قوي وفعال قد يؤدي إلى تعثر طموحات التحديث السياسي والاقتصادي. وبيّن أن إنشاء هيئة الخدمة المدنية التي تحل محل ديوان الخدمة المدنية القديم، هو نتيجة ملموسة لهذا التوجيه.
وأوضح غنيمات أن الأردن، من خلال التحول نحو بنية خدمة مدنية أكثر حداثة ومساءلة، يهدف إلى تعزيز كفاءة وشفافية واستجابة مؤسساته العامة. ومع ذلك، أضاف أن النجاح النهائي لهذه الإصلاحات لن يقاس فقط بالتغييرات البنيوية التي يتم تنفيذها، بل أيضًا بالتأثير الطويل الأجل الذي تتركه على الحكم والثقة العامة.
وتطرق غنيمات إلى أن مسار التحديث الاقتصادي قد يفرض التحديات الأكثر صعوبة، حيث تبرز الفوارق بين الأهداف النبيلة المنصوص عليها في أجندات التحديث والحقائق الميدانية للأداء الاقتصادي. ورغم الأولويات الواضحة للحكومة، فإن الإنجازات في الإصلاح الاقتصادي كانت محدودة، وفي بعض الحالات أقل من المطلوب لمواكبة المطالب الملحة، مما يؤكد الحاجة إلى جهود مستدامة ومركزة لسد الفجوة بين الطموح والواقع.
وبيّن أن رؤية التحديث الاقتصادي ليست مبادرة معزولة، بل هي عنصر أساسي في مشروع إصلاحي أكبر ومترابط يقوده جلالة الملك، ويهدف إلى مزامنة الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية لخلق دولة أكثر تماسكًا وتطلعًا إلى المستقبل.
جذب رأس المال الأجنبي
بدورهم، أكد الحضور أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة يقتصر على سياسات تصحيح هيكلي دون ابتكار استراتيجيات عملية لمواجهة التحديات، مشيرين إلى سوء تقدير الحكومة للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى تشتت نقاط القوة وعدم استغلالها بشكل فعال، ورغم بدء جلالة الملك برنامجًا اقتصاديًا في عام 2000، إلا أن الحكومة فشلت في إرساء أسس متينة لاستدامة النمو، حيث تم التركيز على حلول مؤقتة بدلاً من الاستدامة طويلة الأجل.
ولفت الحضور إلى التهديدات المتزايدة في المنطقة وتأثيرها على الأردن، خاصة في ضوء الأزمات المتكررة مثل الأحداث في غزة، وانتقدوا الحكومة لعدم تطوير سيناريوهات احترازية للأزمات المستقبلية، مع التأكيد على أهمية النظر إلى ما هو أبعد من الأرقام والإحصاءات. وفيما يتعلق بالدين العام، يلاحظون زيادة سنوية دون وجود استراتيجية واضحة لإدارته، مع الإشارة إلى عواقب خطيرة قد تترتب على هذا الإهمال.
وتناول النقاش أيضًا قضية الاستثمارات الأجنبية في الأردن، حيث يرون أن الإصلاح الشامل لممارسات الاستثمار المحلية ضروري لجذب رأس المال الأجنبي. ويؤكدون على أهمية تقييم المشاريع الاقتصادية على أساس قيمتها النسبية في سياق الدولة، مع مراعاة حجم الاقتصاد والقدرة الإنتاجية. كذلك يشيرون إلى مشكلة ضعف تسويق الفرص الاستثمارية، رغم الإمكانات الكبيرة المتاحة في قطاعات مثل السياحة والزراعة.
وأخيرًا، عبر الحضور عن قلقهم بشأن تعامل الحكومة مع رؤية التحديث الاقتصادي، حيث لم يتحقق سوى 19% من أهداف الخطة حتى منتصف عام 2024. ويشيرون إلى أن الاستقرار التشريعي أمر ضروري لتحقيق التحديث الاقتصادي، مع التحذير من أن التخفيضات في الإنفاق الرأسمالي ستؤدي إلى تفاقم التحديات طويلة الأجل في دعم النمو والتنمية، مشددين على ضرورة وجود خطة استراتيجية أفضل لاستغلال الموارد المتاحة.